حزب جبهة الوئام الوطني
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى و بارك الله فيك وخبر انظمامك إلى أسرتنا أسرة الحزب سيسعدنا
حزب جبهة الوئام الوطني
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى و بارك الله فيك وخبر انظمامك إلى أسرتنا أسرة الحزب سيسعدنا
حزب جبهة الوئام الوطني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حزب جبهة الوئام الوطني


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سي الطيب الوطني (محمد بوضياف)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 9
تاريخ التسجيل : 24/12/2011
العمر : 12

سي الطيب الوطني (محمد بوضياف) Empty
مُساهمةموضوع: سي الطيب الوطني (محمد بوضياف)   سي الطيب الوطني (محمد بوضياف) I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 27, 2011 9:16 pm

محمد بوضياف أو "سي الطيب الوطني" هذا اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية، هو رئيس سابق للجمهورية الجزائرية، نهض كغيره من الجزائريين المخلصين لبلادهم من أجل خوض الحياة السياسية ومحاولة تخليص بلاده من براثن الاستعمار الغاشم، فكان أحد رموز الثورة الجزائرية والتي كانت العامل الرئيسي في تحرير البلاد، ولم تكن رحلة بو ضياف السياسية الثورية تتسم بالبساطة فقد مر خلال هذا بمراحل عديدة من السجن والنفي والنضال، بالإضافة لتنقله الدائم خارج الجزائر من أجل تنظيم شئون الثورة وتعريف العالم بقضية بلاده.
نُصب بوضياف رئيساً للجزائر بعد فترة غياب عن ساحة الأحداث الجزائرية اقتربت من الثلاثين عاماً قضاها بالمملكة المغربية، حيث عاد للبلاد مرة أخري ليتولى مقاليد الحكم بها خلفاً لرئيسها السابق الشاذلي بن جديد والذي قدم استقالته، ولكن لم يستمر بوضياف على كرسي الحكم لفترة كبيرة حيث تم اغتياله على يد أحد الضباط في نفس عام توليه الحكم .
النشأة والبداية
ولد الرئيس بوضياف في 23 يونيو عام 1919م بمنطقة أولاد ماضي بولاية المسيلة الجزائرية، وعمل في عام 1942 بمصالح تحصيل الضرائب بجيجل، ثم اتجه للعمل السياسي فأصبح أحد قادة التنظيم العسكري التابع لحزب الشعب الجزائري والذي أسس عام 1947م، ثم أصبح عضواً في أحد المنظمات السرية، وفي عام 1950 تمت محاكمته غيابياً، وتعرض للسجن في فرنسا هو وعدد من زملائه الثوريين، وفي فرنسا عام 1953 أصبح بوضياف عضواً في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، ثم عاد مرة أخرى إلى الجزائر حيث كان أحد المساهمين في تنظيم اللجنة الثورية للوحدة والعمل .
العمل الثوري والسياسي
ذاقت الجزائر مرارة الاستعمار على مدى أكثر من مائة عام وخلال كل هذا ولد العديد من الرجال المخلصين لقضية بلادهم واللذين شاركوا بشكل أو بأخر من أجل الزود عن الوطن وتحريره وكان أحد هؤلاء الرجال محمد بو ضياف والذي قام بالمشاركة بعد عودته من فرنسا في العمل السري والذي اتجه إليه العديد من الجزائريين فبدأت تتشكل العديد من الخلايا السرية والتي كان لها بالغ الأثر في نجاح الثورة وفي هذا الإطار تشكلت لجنة مكونة من اثنين وعشرين عضوا قام بوضياف برئاستها وعرفت باسم " اللجنة الثورية للوحدة والعمل" والتي تركزت مهمتها في قيادة العمل السري ومهمة إشعال نيران الثورة، ونذكر من أعضاء هذه اللجنة أحمد بن بيلا، رابح بيطاط، محمد خيضر، كريم بلقاسم، العربي بن مهيدي وغيرهم .
وفي 22 أكتوبر عام 1956م واستمراراً في السياسات الاستعمارية والتعسف الفرنسي قامت فرنسا باختطاف طائرة مغربية كان على متنها محمد بو ضياف وغيره آخرين من قادة الثورة وهم حسين آيات أحمد، أحمد بن بيلا، ومحمد خضير، وكان ذلك أثناء ذهابهم من المغرب إلي تونس من أجل حضور اجتماع مع كل من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وملك المغرب محمد الخامس من أجل إيجاد حل للقضية الجزائرية، حيث تعرضت الطائرة للقرصنة الجوية من قبل القوات الفرنسية وبعد إقلاعها من جزيرة مايوركا بعد تزويدها بالوقود أجبرت على التوجه للجزائر.
ما بعد الثورة
بعد قيام الثورة الجزائرية عام 1954م والتي كان بو ضياف على رأس قادتها وأحد الأضلاع الهامة التي اكتملت بها مقومات نجاحها، خاض بو ضياف عدد من المواجهات مع بعض الشخصيات السياسية التي تسلمت مقاليد الحكم في البلاد بعد الاستقلال، وعمل على تأسيس حزب الثورة الاشتراكية وذلك في عام 1962م، وفي عهد بن بيلا حدثت العديد من حملات الاغتيالات والاعتقالات فأعدم العقيد شعباني، واغتيل محمد خضير في أسبانيا، وتم اعتقال محمد بو ضياف وحكم عليه بالإعدام في عام 1963م بتهمة التآمر على أمن الدولة ولكن لم ينفذ هذا الحكم نظراً لتدخل عدد من الوسطاء ونظراً لسجله الوطني فتم إطلاق سراحه بعد ثلاثة شهور قضاها في أحد السجون بجنوب الجزائر، أنتقل بعدها إلى باريس وسويسرا ومنها إلى المغرب حيث استقر بها لمدة تقترب من الثلاثين عاماً .
تابع بو ضياف نشاطه السياسي لفترة من الزمن كما عمل على تنشيط مجلة الجريدة، ولكن في عام 1979 قام بحل حزب الثورة الاشتراكية وذلك عقب وفاة الرئيس الجزائري هواري بو مدين، وترك أعباء العمل السياسي متفرغاً من أجل أعماله الصناعية حيث كان يمتلك مصنعاً بمدينة القنيطرة بالمملكة المغربية .
كان بوضياف في الفترة التي بعد فيها عن بلاده يحيا حياة روتينية كأي رب أسرة عادي يتابع أعماله وشئون أفراد أسرته، ولكن على الرغم من هذا كان متابعاً جيداً لأخبار الجزائر وكل ما يخصها من أمور، إلى أن تم استدعائه ليتم تنصيبه رئيساً للجزائر .
العودة للوطن
على الرغم من ترك بوضياف للسياسة إلا أنها أبت أن تتركه فقد تم استدعائه لكي يتم تنصيبه رئيساً للجمهورية الجزائرية خلفاً للرئيس الشاذلي بن جديد الذي قام بتقديم استقالته، فعاد إلى الجزائر مرة أخرى بعد غياب دام ثلاثين عاماً، في السادس عشر من يناير 1992م ليتسلم مقاليد الحكم في البلاد.
عندما عاد بوضياف إلى الجزائر كانت منقسمة أو شبه منقسمة إلى جزئين وذلك بين كل من المؤسسة العسكرية للجيش، والجبهة الإسلامية للجماعات الإسلامية المسلحة، فقد شهدت الجزائر العديد من الأحداث والصراعات وذلك أثناء حكم كل من أحمد بن بيلا وهواري بومدين وحتى في عصر الشاذلي بن جديد، فكان كل من الجيش والجماعات الإسلامية يتجاذبان أطراف السلطة والحكم فيما بينهم، وفي عام 1990 عندما أقيمت الانتخابات المحلية بالبلاد وتمكنت جبهة الإنقاذ الإسلامية من هزيمة جبهة التحرير الوطنية هزيمة ساحقة، وفي يناير 1992 ظهرت سيطرت الإسلاميون على البرلمان، وهذا الذي لم ينال استحسان رجال الجيش فقام عدد من قادته بعمل انقلاب عسكري في 11 يناير 1992 وأجبروا الشاذلي بن جديد على تقديم استقالته كما قاموا بإلغاء الانتخابات وأعلنوا حالة الطوارئ وتم حل البرلمان، ونظراً للسخط الذي عم المجتمع الجزائري وذلك لإيقاف الانتخابات وسيطرة الجيش على الحكم، سعى قادة الجيش من أجل البحث عن رئيس للبلاد يعمل على إيجاد التوازن فيها، ولذلك كان يتطلب لهذا المنصب رجل يتمتع بمواصفات خاصة يكون لديه سجل تاريخي مشرف كمناضل في الثورة الجزائرية كما يكون ضحية للأنظمة الحاكمة السابقة، فاجتمع عدد من القادة مثل خالد نزار، عبد المالك قنايزيه، محمد العماري وغيرهم من أجل اختيار الرئيس الجديد حيث وقع الاختيار على محمد بوضياف وتم إرسال علي هارون إليه لإقناعه بالعودة للبلاد وتولى رئاسة البلاد.
وبعد موافقته على العودة تم إنشاء مجلس أعلى للدولة برئاسة بوضياف، مما أدى لوجود العديد من المصادمات والمشاحنات الدائمة بين الحكومة والجماعات الإسلامية والتي عملت على شن عدد من الهجمات على القوات الجزائرية والموظفين وضباط الشرطة وعائلاتهم والأجانب المقيمين في الجزائر، وكان بو ضياف في وسط كل هذا يحاول جاهداً من أجل المحافظة على البلاد متماسكة في وسط هذه الانقسامات وهذا الجو المتوتر ولكن لم يمهله القدر كثيراً حيث تم اغتياله في نفس العام الذي تولى فيه الحكم.
الاغتيال
في يوم 29 يونيو 1992م ذهب الرئيس بو ضياف إلى مدينة عنابة والتي تبعد عن العاصمة الجزائرية بحوالي ستمائة كيلو متر وذلك لحضور تدشين قصر الثقافة هناك حيث تعرض الرئيس الجزائري لطلقات نارية أودت بحياته وذلك على يد ملازم في القوات الخاصة الجزائرية اسمه مبارك بو معرافي، وجاء حادث الاغتيال هذا لينهي سريعاً فترة رئاسية ما لبثت أن بدأت حتى اختتمت بنهاية مأساوية، وأتى بعد ذلك الرئيس الجديد للجزائر علي كافي ليترأس مجلس أعلى للحكم مكون من خمسة أعضاء ليتسلم مقاليد الحكم بالبلاد .
الجزائر في عهد محمد بوضياف
محمّد بوضياف : المنفي العائد
محمّد بوضياف ليس رجلا عاديّا بالنسبة للجزائريين , انّه يمثل أحد أباء الثورة الجزائرية التي خلصّت الجزائريين من نير الاستعمار الفرنسي . و قد بدأ محمد بوضياف نضاله في صفوف حزب الشعب الجزائري منذ عقد الثلاثينات و كان عضوا قياديّا في المنظمة العسكرية الخاصة التي أسسها هذا الحزب في سنة 1947 والتي كانت تهدف الى الاعداد للثورة الجزائرية , وأستمرّ محمد بوضياف مناضلا في هذه المنظمة ككادر وقيادي ومنظّم . وعندما اكتشفت فرنسا أمر هذه المنظمة قامت باعتقال ألف مناضل من مناضلي حزب الشعب الجزائري , وحكمت على محمد بوضياف بالاعدام غيابيا الأمر الذي دعاه الى التخفي .
وقبل تفجير الثورة الجزائرية في 01 تشرين الثاني –نوفمبر – سنة 1954 , ساهم محمد بوضياف في تأسيس جماعة 22 الثورية للوحدة و العمل وبعدها اللجان الست التي فجرّت ثورة التحرير الجزائرية , وتمكنّ بوضياف في ظروف غير طبيعية من تفجير ثورة التحرير مع رفقائه أحمد بن بلة ورابح بيطاط ومحمد خيضر و كريم بلقاسم وحسين أيت أحمد والعربي بن مهيدي وغيرهم . ومعروف أنّ الثورة الجزائرية اندلعت في وضع سياسي جزائري يتسم بالتعددية الشكلية , وكانت بعض الأحزاب الجزائرية أنذاك ترى عبثية الثورة وضرورة الاندماج الكلي في المجتمع الفرنسي أو المجتمع الأم كما كانت تسميه النخبة الفرانكفونية في ذلك الوقت . كما أنّ الثورة الجزائرية انطلقت في ظل ضعف الامكانات المادية حيث كان الثوّار الجزائريون يستخدمون بنادق الصيد والسكاكين وحتى أخشابا منحوتة على شكل بنادق ورشاشات .
ويرى الدكتور يحي بوعزيز المؤرخ الجزائري الشهير أنّ محمد بوضياف أنقذ الجزائر ثلاث مرات الأولى عام 1954 حينما اشتدّت الخصومة بين الأحزاب وأنقسم التيار الاستقلالى على نفسه , فحسم بوضياف ورفاقه الموقف لصالح الحتمية الثورية , والثانية عام 1964 بعد الاستقلال بعامين حينما فضلّ المنفى الاختياري خارج البلاد لمدة ثماني وعشرين سنة حتى لا يشارك في الفوضى والصراع الداخلي الذي نشب بين ثوّار الأمس غداة استعادة الاستقلال في سنة 1964 , والثالثة عام 1993 عندما استجاب للنداء الوطني وعاد الى الجزائر لرئاسة المجلس الأعلى للدولة عقب استقالة أو اقالة الشاذلي بن جديد .
و المقربون من محمد بوضياف يعترفون له بقوة العزيمة والاصرار والعناد أحيانا , و لقد تحدث بوضياف ذات يوم عن يومياته أثناء الثورة الجزائرية قائلا أنّه تحملّ المحن في كل أوقاته وظلّ يفر من رجال المخابرات الفرنسية , وأشار الى جوعه وحرمانه هو و اخوته في النضال . وكثيرا ما كان بوضياف يتنقّل خارج الجزائر لتنظيم شؤون الثورة الجزائرية وتعريف العالم بأهدافها , وما زال العالم شاهدا على غطرسة الاستعمار الفرنسي الذي قام بتحويل الطائرة التي كانت تقلّ بوضياف و بقية رفاقه رابح بيطاط وحسين أيت أحمد وأحمد بن بلة ومحمّد خيضر .
وعندما سئل محمد بوضياف هل كان على علم ببرج المراقبة وطاقم الطائرة التي كانت تقله من المغرب والى تونس وما دور المخبرين والمتعاونين مع السلطات الفرنسية في المغرب, أجاب قائلا : مسألة المراقبة لم نكن نعلم بها ومسألة السفر تقررت بسرعة , وأنا شخصيا كنت مريضا وقد خرجت من المستشفى قبل ثلاثة ايام من موعد السفر وغاية ما هناك بلغنا أنّ الحكومة الاشتراكية في ذلك الوقت حكومة ذي مولي اتصلت بالرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والملك المغربي محمد الخامس وطلبت منهما الاجتماع في تونس لايجاد حل للمسألة الجزائرية وهذا سبب ذهابنا الى تونس , وقال بوضياف أنّه لم يكن في حوزتهم أسلحة عدا بن بلّة الذي كان يحمل معه رشاش ايطالى , والقرصنة الجوية التي تعرضنا اليها كانت بعد اقلاعنا من جزيرة مايوركا حيث تزودّت الطائرة بالوقود وبعد أن طارت أجبرت على التوجه الى الجزائر العاصمة وقد حاول الطيّار الاتصال ببرج المراقبة في المغرب لكن لا أحد ردّ عليه .
وعن تجربته النضالية قال بوضياف : خلال وجودنا في السجن في فرنسا كانت هناك بيننا وبين قيادة الثورة الجزائرية اتصالات محدودة , وكان أحمد بن بلة على اتصال بالعربي بن مهيدي أحد رموز الثورة الجزائرية في الداخل الجزائري , وكنت على صلة بكريم بلقاسم بينما كان عبان رمضان على اتصال بحسين أيت أحمد , وكانت هذه المراسلات توضح تطورات الثورة الجزائرية داخل الوطن وخارجه , وكانت بعض الأخبار تصلنا عن طريق المحامين وبعض الأشخاص , لكن كل ذلك لا قيمة له مادمنا في السجن وتحت الحراسة والمراقبة .
ففي السجن الفرنسي يقول محمد بوضياف كنّا على اتصال ببعضنا البعض , لكن دون عمل أو نشاط فعّال ما عدا مناقشة ومتابعة أحداث الثورة الجزائرية وماكان يجري داخل قيادتها من ايجابيات وسلبيات .
وفيما يخص المفاوضات الجزائرية –الفرنسية وخاصة الأخيرة منها جاءنا السيد بن يحي وبن طوبال وكريم بلقاسم لاطلاعنا على مجرياتها , وكان ردّي عليهم أننا بعيدون عن ميدان الأحداث السياسية والعسكرية ولا نعرف ما يجري خارج أسوار السجن , ولا نعرف شيئا عن امكانيات جبهة التحرير الوطني المادية والبشرية وقدرة الشعب الجزائري على الصمود , ولهذا يقول بوضياف كنت ألتزم الحذر دون العاطفة , بينما كان رأي باقي الاخوة وخاصة بن بلة القبول بانهاء الحرب حتى لو كانت بعض بنود اتفاقيّات ايفيان في غير صالح الجزائر مستقبلا .
وعن اتفاقيّات ايفيان التي أفضت الى استقلال الجزائر قال محمد بوضياف : أعترف لبن يحي –وهو أحد الجزائريين المفاوضين – بالذكاء وبعد النظر المستقبلي , وفي الأمور التقنية كانت تنقصنا الخبرة والثقافة ولم يكن الاخوة المفاوضون تقنيين في مجال المفاوضات , لذا نجد رؤساء وملوك الدول في رحلاتهم وزياراتهم العملية مصحوبين بالتقنيين والخبراء في الميادين المختصة لكل اتفاقية أو عقود فيما بين الدولتين أو الدول .
وعن علاقة الثورة الجزائرية بالعالم العربي قال محمد بوضياف : للأمانة التاريخية وحتى نكون منصفين في شهادتنا الثورية وعلى الشعب الجزائري أن يعرف ذلك , أنّ امكانات الثورة الجزائرية كانت ضعيفة في البداية من حيث انعدام الذخيرة الحربية والسلاح , كنّا نملك شعبا قابلا للتضحية والفداء لكن بدون سلاح , وكان اعتمادنا في البداية على أنفسنا وأمكانياتنا الضعيفة , ثمّ اتصلنا باخواننا في الدين والتاريخ والمصير المشترك , فكانت المساعدة الأولى للثورة الجزائرية بل للشعب الجزائري من العالم العربي , فالأخوة المصريون هم الأوائل في المساندة السياسية وتدبير الأسلحة من الدول العربية , وأول مساعدة مالية لشراء الأسلحة كانت من المملكة العربية السعودية .
وعندما ذهب جمال عبد الناصر الى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج تحدثّ مع المسؤولين السعوديين حول متطلبات الجهاد في الجزائر فخصصت المملكة مبلغ 100 مليون دولار لدعم المقاومة في المغرب العربي . فأخذ منها صالح بن يوسف وشوشان نصيبا لتغطية مصاريف المقاومة التونسية , والباقي كان من نصيب الثورة الجزائرية التي اشترت به أسلحة وذخائر عن طريق مصر , أما المقاومة المغربية فلم تأخذ شيئا من هذا المبلغ على حدّ علمي قال محمد بوضياف , كما كانت هناك مساعدات جمّة من نظم وشعوب العالم العربي كالعراق وسوريا وتونس والمغرب وليبيا ولبنان وغيرها , كما لعب العالم الاسلامي دورا كبيرا في مساعدة الثورة الجزائرية في المحافل الدولية .
وتؤكد الوثائق , وشهادات مفجريّ الثورة الجزائرية ومنهم محمد بوضياف أنّ العالم العربي والاسلامي ساند الثورة الجزائرية منذ تفجير الثورة والى الاستقلال . وكان العالم العربي والاسلامي يرى في الثورة الجزائرية ضد فرنسا والحلف الأطلسي ملحمة ومفخرة للعرب والمسلمين , وقد صارت الثورة الجزائرية قدوة لحركات التحرر في وقت لاحق ..
الاستقلال وبداية الكارثة :
كان محمد بوضياف يحلم بجزائر قويّة تعتمد على نفسها , وتعمل على ترجمة الأهداف الكبرى التي سطرتها ثورة التحرير المباركة بدماء مليون ونصف مليون من الشهداء , وكان بوضياف يأمل أن أن يتحد رفاق الأمس الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل تحرير الجزائر , الاّ أنّه شاهد بداية تمزق صفوف الثوّار وانحرافا عن خطّ الثورة الأصيلة , وعايش بنفسه ظهور المحاور والتكتلات التي كادت تتسبب في اندلاع حرب أهلية في الجزائر .
وكان متضايقا من تهميش بعض مفجري الثورة الجزائرية , وهاله أن يحتل ضباط فرنسا المواقع الأمامية على حساب الثوّار الحقيقيين .
وتعود قصّة التمزق الى ما قبل الاستقلال الجزائري بقليل عندما فرض بعض عقداء جيش التحرير الشعبي أراءهم على باقي الثوّار وسعوا لخلق تكتلات داخل صفوف الثورة الجزائرية , ويعترف رئيس الحكومة المؤقتة يوسف بن خدّة أنّ الخصام بين ثوّار الأمس قد بلغ الذروة , وهو لذلك فضّل الانسحاب من الساحة السياسية في وقت مبكّر .
ورغم الدعوة المتكررة لاعادة كتابة تاريخ الثورة الجزائرية بسلبياتها وايجابياتها , فانّ العديد في الجزائر ما زال يضع العراقيل في وجه هذه الدعوة , وربما يخشى هذا البعض من رفع الغطاء عن العديد من الذين خانوا الثورة الجزائرية وأسعفهم الحظ على تولّي مناصب حسّاسة في الجزائر .
وهذه المتناقضات بين ثوّار الأمس في عهد الاستقلال كادت تؤدي الى حرب أهلية , ولما تفاقم الصراع خرج الشعب الجزائري متظاهرا في الشوارع رافعا شعار : سبع سنوات تكفينا , في اشارة الى السنوات السبع التي قضّاها الشعب الجزائري في محاربة الاستعمار الفرنسي . وقد حسم الصراع لصالح قيادة الأركان والتي عينّت أحمد بن بلة على رأس الدولة الجزائرية الفتية . وقد اعترف بن بلة أنّه كان ضئيل الثقافة والخبرة ورغم ذلك فقد حاول مع رفاقه أن يبني معالم الدولة الفتية , وكان رفاقه يأخذون عليه استحواذه على ثمانية مناصب حسّاسة في وقت واحد , وهو الأمر الذي أثار حفيظة بعض رفاقه الذين فسروا تصرفه أنّه سلطوي وديكتاتوري .
و كان محمد بوضياف أحد الناس الذين هالهم تحريف الثورة الجزائرية عن مسارها وتغليب الأنا في معالجة الأمور بدل المصلحة الوطنية العليا , ولما كان أحمد بن بلة يخشى جانبه أمر باعتقاله وايداعه السجن ثمّ حكم عليه بالاعدام بتهمة التأمر على أمن الدولة .
وعن هذا الاعتقال قال محمد بوضياف : أنّ اعتقاله تمّ بطربقة بشعة حيث كان يتجول في الشارع وجرى اعتقاله ثمّ أبدى استغرابه لكون الشخص الذي امر باعتقاله البارحة من دعاة الديموقراطية اليوم .
وبعد أن تدخلت أطراف متنفذة ولاعتبارات تتعلق بماضي بوضياف التاريخي أطلق سراحه, ففضّل مغادرة الجزائر وبشكل نهائي , وأقام بشكل مؤقت في باريس حيث أسس حزبا معارضا اشتراكيّ التوجه , كما ألّف كتابه الشهير الجزائر الى أين !
وفي هذا الكتاب تحدث عن مصير الثورة الجزائرية والخلل الذي انتاب مسيرتها , وبعد فترة لم تدم طويلا قام بالغاء حزبه , وفضلّ الاقامة في القنيطرة في المغرب , وقد أقام مصنعا للأجر وظلّ يتابع الأحداث في الجزائر دون أن يدلي بأي تصريح أو تعليق لوسائل الاعلام.
وقد رفض محمد بوضياف جميع الدعوات التي وجهها اليه هواري بومدين بالعودة الى الجزائر غداة اطاحته بأحمد بن بلة في 19 حزيران – جوان –1965 , الاّ أنّه رفض كل هذه الدعوات محبذا المنفى على معايشة مشاهد اغتيال الثورة الجزائرية . وكان محمد بوضياف في المغرب محط رعاية العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني , كما كان محل احترام السكان المجاورين له .
وقد استطاع وهو في المغرب وكما قال هو شخصيا أن يحقق ثروة تكفل له ولأبنائه وزوجته العيش بكرامة , ولذلك لما عيّن على رأس المجلس الأعلى للدولة في مطلع سنة 1992 رفض أن يتقاضى راتبا ليؤكّد على نزاهته , وأنّه يختلف عن الأخرين الذين اختلسوا أموال الجزائر وصيرّوها بعد غنى وثراء فقيرة تستجدي العون من البنوك الدولية..
الجزائر من الأحاديّة والى التعدديّة
بعد خريف الغضب في 05 تشرين اول –نوفمبر – 1988 أضطّر الشاذلي بن جديد ولتجاوز الانتفاضة الشعبية العارمة وأثارها , أن يعلن وعلى مسمع ومرأى الشعب الجزائري عن مشروع للاصلاحات السياسية والاقتصادية , ودعا الشعب الجزائري لابداء رأيه في الدستور الجديد المعدّل الذي تصبح التعددية السياسية بموجبه متاحة وكذا التعددية الاعلامية . وتمّت الموافقة الشعبية على هذا الدستور في شهر شباط –فبراير – 1989 وكان ذلك ايذانا بميلاد التعددية السياسية والاعلامية , وشرع المعارضون التقليديون للنظام الجزائري بالعودة الى الجزائر بدءا بحسين أيت أحمد الذي كان يدير حزبه جبهة القوى الاشتراكية انطلاقا من أوروبا ,ثمّ تلاه أحمد بن بلة الذي كان مقيما في سويسرا وهناك كان يتزعم حزبه الحركة من أجل الديموقراطية .
وبعودة هؤلاء الرموز الذين كانوا وراء تفجير الثورة الجزائرية , تساءل بعض الجزائريين عن موعد عودة محمد بوضياف الى الجزائر !
لم ينتظر السائلون كثيرا اذ جاءهم الجواب من خلال تصريح لبوضياف لبرنامج لقاء الصحافة المتلفز والذي خصص للثورة الجزائرية , وقد سئل بوضياف لماذا لا يعود الى الجزائر ! فأجاب بأنّه لا يؤمن بهذه الديموقراطية ولا بالمشروع الديموقراطي المطروح في الجزائر والذي أملته ظروف معينة - ويقصد أحداث خريف الغضب في شهر أكتوبر –
وأنّه لما يشعر بجديّة التجربة سيعود الى الجزائر أو في حالة وجود ما من شأنه أن يجعل العودة الى الجزائر واجبا وطنيا …
وزاول بوضياف عمله التجاري في منفاه في مدينة القنيطرة في المغرب , حيث كان يتردد عليه بعض الجزائريين الباحثين وغيرهم ويسألونه عن قضايا وملفات تتعلق بالثورة الجزائرية , ونقل عنه بعض زائريه أنّه كان قلقا للغاية على مصير الجزائر , وكثيرا ماكان يسأل الجزائر الى أين ! وهو عنوان كتابه الذي ألفّه في بداية الستينيات أي بعد استقلال الجزائر بسنتين فقط .
و أزداد اهتماما بالجزائر عقب الاضراب الذي دعت اليه الجبهة الاسلامية للانقاذ في 25 أيّار –مايو – 1991 لالغاء القوانين التي سنتها حكومة مولود حمروش بغية تزوير الانتخابات . وقد أدى هذا الاضراب الى اندلاع صراع دموي بين الاسلاميين والسلطة الجزائرية والذي انتهى بتدخل الجيش وفرض حالة الحصار العسكري وحظر التجول واقالة حكومة مولود حمروش وتعيين وزير الخارجية في ذلك الوقت سيد أحمد غزالي على رأس الحكومة .
وجاء اعلان الحصار في الجزائر في 04 حزيران – يونيو – 1991 ليؤكد ماذهب اليه محمد بوضياف من أنّ الديموقراطية الجزائرية شكلية وتدخل في اطار التنفيس عن أحداث دامية كانت تعصف بالدولة الجزائرية .
و أثناء عودة محمد بوضياف الى الجزائر في أواسط كانون الثاني – يناير – 1992 اعتبرت أوساط سياسية جزائرية أنّ عودته في هذا الوقت تحديدا كانت غير مناسبة وغير لائقة و قالت هذه الأوساط أنّ بوضياف تنطبق عليه مقولة الرجل المناسب في الوقت غير المناسب ورأت هذه الأوساط أنّه لو تولىّ الحكم بعد خريف الغضب مباشرة لكان خيرا له وللجزائر .
امتدّت فترة الحصار العسكري أربعة أشهر أعلن الشاذلي بن جديد بعدها أنّ الانتخابات التشريعية ستجرى في 26 كانون الأول – ديسمبر –1991 .
استعدّت القوى السياسية لهذه الانتخابات وعاودت نشاطها السياسي بعد صمت استمرّ أربعة أشهر كان منطق الرصاص والصراع الدموي بين السلطة والاسلاميين هو سيّد الموقف .
وفي اللحظات الأخيرة قررت الجبهة الاسلامية للانقاذ بقيادة المهندس عبد القادر حشّاني المشاركة في الانتخابات
وكان الشعب الجزائري متحمسا لهذه الانتخابات خصوصا وأنّ الصورة الرسمية التي قدمت له أنّه أصبح صاحب الارادة والقرار يزكّي من يشاء ويختار من يشاء بعد أحادية سياسية ستالينية شلّت طاقته وحتى قدرته على التفكير .
وبعد أيام قليلة من هذه الانتخابات أعلن وزير الداخلية الجنرال العربي بلخير عن النتائج التي جاءت كما يلي :
- 188 مقعدا للجبهة الاسلامية للانقاذ .
- 20 مقعدا للجبهة القوى الاشتراكية .
- 16 مقعدا للحزب جبهة التحرير الوطني .
وبمجرد شعور التيار البربري والفرانكفوني واليساري وتيار في المؤسسة العسكرية برجحان الكفة لصالح الجبهة الاسلامية للانقاذ قامت قيامة الجزائر في أعنف صراع , حيث كان أصحاب الاتجاهات المذكورة يرون أنّه من المستحيل السماح للانقاذ بتكريس مشروعها الاسلامي .
وهاهنا حسم بعض الجنرالات الموقف وذلك باقالة الشاذلي بن جديد وقلب الطاولة من أساسها , والعجيب أن بعض أقطاب التيار الفرانكفوني اعتبر الشعب الجزائري غبيا لا يحسن الاختيار وغير ناضج ديموقراطيا .
وقد أقسم بعض الناس في الجزائر أن لن يتوجهّ أبدا الى صناديق الاقتراع , ما دامت الدبابات تلغي اختيار الشعب بطلقة مدفع واحدة .
وقبل تنحيّة الشاذلي بن جديد , وقبل اجراء الانتخابات التشريعية بأسبوع واحد , قال الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في ندوة صحفية أنّه سيذهب بالمشروع الديموقراطي الى أبعد حدّ , وسوف يحترم القوة السياسية التي تفرزها ارادة الشعب الجزائري مهما كان لون هذه القوة السياسية . كما أنّ القوى السياسية برمتها أعلنت أنّها ستحترم ارادة الشعب الجزائري و قواعد اللعبة الديموقراطية و سوف تقبل نتائج الانتخابات بروح رياضية , لكن كل هذه الالتزامات تبخرّت مع بروز النتائج الأولية وبدأت عقارب الساعة في الجزائر تتراجع الى الوراء , فسعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري والذي صرحّ قبل اجراء الانتخابات التشريعية أنّ حزبه سيحترم افرازات المشروع الديموقراطي هددّ بأنّه سيعلن الحرب على الأصولية , وأعلن أنّ حزبه لن يقبل بأن تتحول الجزائر الى ايران أو سودان ثانية .
والهاشمي شريف زعيم حزب الطليعة اليساري دعا الجيش الجزائري للتدخل وصرحّ أنّ حزبه يقبل بنظام بينوشي ولا يقبل بنظام اسلامي توليتاري رجعي ظلامي .
والفرانكفونيون واليساريون والبربر والعلمانيون وأصحاب كل المتناقضات الأيديولوجية أسسوا وفي يوم واحد جمعية انقاذ الجزائر , وقد منح وزير الداخلية في ذلك الوقت الجنرال العربي بلخير الاعتماد لهذه الجمعية في ظرف ربع ساعة , في حين تنتظر الجمعيات الأخرى مدّة ستة أشهر للحصول على الاعتماد . والجمعيات النسوية التحررية أقامت مهرجانات للمطالبة بحقوق المرأة كاملة وكل تلك الأمور كانت في الواقع رسائل سياسية من جهة , كما كانت مؤشرا على وجود قوة فاعلة تحرك كل هذه الصور من خلف الكواليس كمدخل لما هو أعظم !
العربي بلخير وزير الداخلية وأحد أكثر المتنفذين داخل المؤسسة العسكرية عقد اجتماعا موسعا صبيحة ظهور نتائج الانتخابات مع القيادات الأمنية استعدادا للمرحلة المقبلة .
سيد أحمد غزالي رئيس الوزراء والذي وعد الأمة الجزائرية عشية تعيينه على رأس الحكومة في 04 حزيران –يونيو –1991 بأنّه سيشرف على انتخابات حرّة ونزيهة ,أعلن أنّ ظنه
في الشعب الجزائري قد خاب لأنّه صوتّ لصالح الجبهة الاسلامية للانقاذ, وكان غزالي قد قدمّ ضمانات للمؤسسة العسكرية بأنّ القوة الثالثة العلمانية هي التي ستستحوذ على البرلمان .
جنرالات الجيش وعلى رأسهم وزير الدفاع الجنرال خالد نزار اجتمعوا ولمدة أسبوع كامل بالشاذلي بن جديد وطالبوه بالغاء الانتخابات التشريعية باعتبار أنّ صلاحياته تخوله ذلك , وقد أدّى رفض الشاذلي لطلبهم الى عزله حيث قدم استقالة رمزية أوضح فيها سبب الاستقالة , وقال أنه سيضحّي من أجل الجزائر , وحتى تكتمل اللعبة أمر بحل البرلمان الجزائري ,وقد أعلن رئيس البرلمان عبد العزيز بلخادم أنّه سمع بأمر حل المجلس الشعبي الوطني – البرلمان – من خلال التلفزيون الرسمي .
وقد توالت الأحداث بسرعة مذهلة لتنتهي الجزائر بلا رئاسة ولا مجلس شعبي منتخب ولا مجلس دستوري ولا بلديات منتخبة .
انّه الفراغ الدستور المركّب , انّه الشغور التام , انّه بداية انهيار الدولة ومؤسساتها .
فما المخرج !!!
شغور الدولة :
بعد انسحاب الشاذلي بن جديد وحلّ المجلس الشعبي الوطني وجدت الجزائر نفسها تعيش فراغا دستوريّا رهيبا .
والدستور الجزائري ينصّ على أنّه في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو موته يتولىّ رئاسة الدولة رئيس المجلس الشعبي الوطني –البرلمان – وذلك لمدّة 45 يوما تجرى بعدها انتخابات رئاسية . الاّ أنّ المجلس الشعبي تمّ حلّه , وعبد العزيز بلخادم رئيس البرلمان والذي كان يفترض أن يتولى الرئاسة في المرحلة الانتقالية أعلن أنه سمع بقرار حلّ البرلمان في التلفزيون الجزائري .
و يبدو أنّ اللعبة كانت محبوكة بدقة لابقاء الجزائر في ظلّ هذا الوضع , وفي قبضة المؤسسة العسكرية , لأنّه وبعد انهيار كل المؤسسات بقيت المؤسسة العسكرية هي الوحيدة التي تدير مقاليد الأمور . ولمعالجة حالة الشغور اجتمع رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي ووزير الخارجية الأخضر الابراهيمي و وزير الداخلية العربي بلخير ووزير الدفاع الجنرال خالد نزار وكان الاجتماع في قصر الحكومة , و أطلق على هذه النواة اسم اللجنة الاستشارية , وللتذكير فانّ الهيئة الاستشارية دستوريّا لا يحق لها اتخاذ القرار , ووظيفتها الدستورية تكمن في اعطاء المشورة لرئيس الجمهورية في مسائل الأمن القومي , ودستوريا يشترط أن تلتئم هذه اللجنة الدستورية بحضور رئيس الجمهورية وهو في هذه الحالة الشاذلي بن جديد الذي أقيل من منصبه , وقد تجاوزت هذه اللجنة كل هذه الاعتبارات الدستورية بحجة أنّ الوضع الأمني لا يسمح بفلسفة الأمور والوقوف عند حرفية النصوص الدستورية .
وقد خرجت اللجنة المذكورة بعد اجتماعها بفكرة الرئاسة الجماعية وهي ما عرف في الجزائر باسم المجلس الأعلى للدولة , ويتكون هذا المجلس من خمسة أعضاء وهم : محمد بوضياف رئيسا وخالد نزار عضوا وعلي كافي عضوا وعلي هارون عضوا وتيجاني هدّام عضوا , وبمجرد الاعلان عن هذا المجلس اعترضت عليه القوى السياسية باعتباره غير شرعي وغير دستوري .
وكان البعض في الجزائر يتوقع أن يتقدم رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي لرئاسة الدولة خصوصا وأنّ بعض المتنفذين في الجيش أوحوا له بذلك , الاّ أنّ الاضطرابات الجماهيرية والاحتجاجات المتواصلة على قرار الغاء الانتخابات التشريعية جعلت صنّاع القرار في المؤسسة العسكرية يستنجدون بشخصية من وزن محمد بوضياف لتغليب شرعيته التاريخية على الشرعية الشعبية الملغاة بقرار علوي .
وكان الجنرال خالد نزار قد أجرى اتصالات بمحمد بوضياف ودعاه الى الجزائر لمدة أربع وعشرين ساعة , وتمّ تكليف علي هارون صديقه القديم بالتوجه اليه حيث يقيم في مدينة القنيطرة بالمغرب , وأوهم علي هارون بوضياف بأنّ الجزائر على وشك الدخول في حرب أهلية يحترق فيها اليابس والأخضر , ومما قاله محمد بوضياف لعلي هارون أنّ السلطة عليها أن تستأنف الانتخابات وتواصل الدورة الثانية من هذه الانتخابات وعليها أن تقبل بنتائج الانتخابات , وحاول هارون اقناعه بأنّ ذلك غير ممكن وأن المشروع الأصولي خطر على الجزائر .
وعندها أمهل بوضياف على هارون فترة وجيزة للتفكير , وبعد مداخلات حثيثة من الجنرال خالد نزار وزير الدفاع قرر أن يعود الى الجزائر رئيسا بعد أن غادرها منفيا .
وبعد عودته الى الجزائر التقى محمد بوضياف وزير الدفاع خالد نزار , حيث سأله بوضياف عن السبب الذي يحول دون استلام الجيش السلطة بشكل مباشر , وردّ عليه خالد نزار بقوله أنّ الدستور يحصر مهمة المؤسسة العسكرية في حماية الدولة ومؤسساتها , والواقع أن المؤسسة العسكرية وصنّاع القرار فيها كانوا على الدوام يحبذون توجيه دفّة الحكم من وراء الستار .
وبعد أن استمع الى وزير الدفاع كل ما أراد أن يقوله , غادر الجزائر عائدا الى المغرب لترتيب وضعه , وليعود الى الجزائر وسط ضجة اعلامية بدأ الرسميون في الجزائر يمهدون لها. وفي القنيطرة في المغرب حاول أهله عن ثنيه لقبول دعوة خالد نزار لتوليّ الرئاسة لأنّ ذلك ينطوي على مخاطر جمّة خصوصا وأنّ التركة ثقيلة ولا يمكن لبوضياف تطويقها أو وضع حدّ للدوامة التي تعصف بالجزائر منذ خريف الغضب سنة 1988 .
عودة محمد بوضياف :
في 15 كانون الثاني – يناير – 1992 وفي الساعة الخامسة مساءا وصل محمد بوضياف الى مطار هواري بومدين في الجزائر العاصمة بعد غياب طويل دام 27 سنة .
وكان في استقباله لدى وصوله وزير الدفاع الجنرال خالد نزار, ووزير الداخلية الجنرال العربي بلخير و رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي , و بقية أعضاء المجلس الأعلى للدولة علي كافي , علي هارون تيجاني هدّام وغيرهم من الرسميين الجزائريين .
توجّه بوضياف الى باحة المطار حيث قال لوسائل الاعلام أنّه جاء الى الجزائر لانقاذها .
ومن المطار توجه مباشرة الى قصر الجمهورية , وأبلغ الشعب الجزائري أنّ محمد بوضياف سيلقي خطابا على الأمة في الساعة الثامنة مساءا . وكانت الأنظار كل الأنظار مشدودة اليه ,ومما جاء في الخطاب أنّه سيعمل على الغاء الفساد والرشوة ومحاربة أهل الفساد في النظام واحقاق العدالة الاجتماعية , ودعا القوى السياسية الى التوحّد لمواجهة التحديّات الجديدة , وطلب من الشعب الجزائري مساعدته في أداء مهامه , وقال : هذه يدي أمدّها الى الجميع بدون استثناء .
أماّ الجبهة الاسلامية للانقاذ التي صودر انتصارها في الانتخابات التشريعية , فقد أبرقت الى محمد بوضياف محذرّة أياه من مغبّة تلويث سمعته التاريخية ودعته لعدم الوقوع فريسة في أيدي ما أسمته الجبهة الاسلامية للانقاذ بالطغمة الحاكمة التي تريد استغلال وتوظيف سمعة محمد بوضياف ورصيده الثوري . وأصرّت الجبهة الاسلامية للانقاذ في مطالبتها السياسية على ضرورة العودة الى المسار الانتخابي وقد قابلت السلطة الجزائرية هذا الطلب بالمجابهة العنيفة .
وعاشت الجزائر عندها أحلك أيامها , فرضت عندها حالة الطوارئ , وقام وزير الداخلية الجنرال العربي بلخير بحلّ الجبهة الاسلامية للانقاذ , و تمّ اعتقال كافة القيادات الانقاذية , والعناصر المتعاطفة مع الجبهة الاسلامية للانقاذ ولأنّ السجون لا تسع عشرات الألاف من الناس فقد تمّ اقامة معتقلات في الصحراء الجزائرية .
وفي 07 شباط – فبراير – 1992 شهدت العديد من المدن الجزائرية انتفاضات عارمة جوبهت بالدبابات وحتى بالصواريخ كما وقع في مدينة باتنة الجزائرية .
وظلّ محمد بوضياف في كل خطبه يتهجم على الجبهة الاسلامية للانقاذ , وأحيانا كان يلجأ الى السخرية والاستهزاء من جبهة الانقاذ الاسلامية , كما شنّ هجوما على حزب جبهة التحرير الوطني وأمينه العام عبد الحميد مهري الذي كان يعترض على الغاء الانتخابات التشريعية , وكان يطالب بردّ الاعتبار للجبهة الاسلامية للانقاذ وكل هذه المواقف لم ترق للسلطة التي وضعت خطة للانقلاب على عبد الحميد مهري ومن داخل جبهة التحرير الوطني ونجحت الخطة في وقت لاحق !
وفي خضّم الفراغ السياسي القاتل الذي شهدته الجزائر بعد الغاء المسار الانتخابي دعا محمد بوضياف الى انشاء التجمع الوطني الديموقراطي الذي أراده الرسميون تيارا ثالثا بديلا عن الجبهةالاسلامية للانقاذ وحزب جبهة التحرير الوطني ورغم أنّ هذا التجمع كان شعاره الجزائر أولا وقبل كل شيئ الاّ أنّ هذا الشعار الجميل والمنمّق لم يثر حماس كثيرين في الجزائر الذين كانوا يرون أنّ الجزائر تعيش حربا شرسة بين شرعية الانقلاب وشرعية الصناديق المقلوبة !
فالمؤسسة العسكرية كانت مصرة على ابقاء الوضع على حاله وعدم الرجوع الى المسار الانتخابي مهما كلفّ الأمر , والجبهة الاسلامية للانقاذ كانت مصرة على التغيير الجذري للنظام وتطهير الجزائر من النظام الذي جرّها الى الهاوية .
مشكلة الشرعية في الجزائر :
مشكلة الشرعية في الجزائر مطروحة بقوة مع بداية الاستقلال الجزائري , ولعلّ عدم ايجاد حل لها هو السبب وراء كل الكوارث السياسية التي حلّت بالجزائر , فمنذ ثلاثين سنة والجزائر تنتقل من محطة الى محطة أخرى بشرعيات متعددة.
فعقب استقلال الجزائر في 05 تموز –يوليو – 1962 حسم الجيش الجزائري الصراع الذي كان دائرا بين ثوّار الأمس لصالحه , وأسند منصب رئاسة الدولة لأحمد بن بلة وكانت مرجعية هذه الدولة وسندها الشرعية الثورية , غير أنّ هذه الشرعية لم تعصم رفاق الثورة من التقاتل والتصفيات الجسديّة , وباسم هذه الشرعية سجن محمد بوضياف في 1963 , وقتل العقيد شعباني ومحمد خيضر وكريم بلقاسم , وباسم الشرعية الثورية أطاح هواري بومدين بحكم الرئيس أحمد بن بلة في 19 حزيران – يونيو – 1965 , وكان قادة الانقلاب يسمون ما حصل تصحيحا ثوريا , وبشرعية هذا التصحيح ظلّ هواري بومدين يحكم الى أن وافته المنيّة في سنة 1978 .
وبعد وفاة هواري بومدين , تمّ ايصال الشاذلي بن جديد الى الحكم من قبل المؤسسة العسكرية وجهاز الاستخبارات العسكرية الذي كان على رأسه أنذاك قاصدي مرباح .
وعلى الرغم من أنّ الشاذلي بن جديد كان يحرص على اجراء انتخابات رئاسية الاّ أنّه كان المرشح الوحيد والفائز الوحيد لثلاث فترات متتالية .
ومثلما دفعت المؤسسة العسكرية الشاذلي بن جديد الى الواجهة فقد أقالته في 11 كانون الثاني – يناير – 1192 . وبتنحية الشاذلي بن جديد دخلت الجزائر مجددا مشكلة الشرعية , وظلّ الصراع قائما بين الجبهة الاسلامية للانقاذ والسلطة الجزائرية وكل منهما يدعّي أنّه صاحب الشرعية المفقودة .
عاد محمد بوضياف الى الجزائر في وقت كانت فيه الجزائر تلتهب وتتهاوى , وسط صراع دموي ومرير بين المؤسسة العسكرية القوة المنظمة الوحيدة بتعبير أحد الصحافيين الجزائريين , والجبهة الاسلامية للانقاذ القوة المنظمة الجديدة .
وقد أدى هذا الصراع الى تفجير الموقف الأمني ودخلت قطاعات واسعة من الناس في مجابهات مع القوى الأمنية والجيش الجزائري , ولم ينحصر الزلزال الأمني في ولاية واحدة بل باتت كل الولايات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا عرضة لهذه الاضطرابات و السبب يعود الى أنّ المنضمّين الى الجبهة الاسلامية للانقاذ جاوز عددهم ثلاثة ملايين وقد هالهم جميعا أن يتم الغاء الانتخابات التشريعية التي فازوا فيها , كما هالهم أن تحلّ الجبهة الاسلامية للانقاذ , وأن يزجّ بقادتها في المعتقلات .
ووسط هذه الأجواء بدأ عهد محمد بوضياف الذي بات دون أن يشعر طرفا في اللعبة وخصوصا عندما قام لدى استلامه مهامه بزيارة الى وزارة الدفاع حيث استقبله هناك وزير الدفاع خالد نزار وجنرالات الجيش , وقد أعتبرت هذه الزيارة خطأ بروتوكوليا لأن موجهّي المؤسسة العسكرية هم الذين ينبغي أن يتوجهوا الى قصر الجمهورية لتقديم الولاء لرئيس الدولة خصوصا وأنّ الدستور الجزائري ينص على أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية أكثر سعة من صلاحيات المؤسسة العسكرية , لكن يبدو أنّ ذلك على القراطيس فقط !
وأقحم محمد بوضياف في اللعبة , وبعد أن كان يحمل شعار انقاذ الجزائر , بات يتهجم على الأصولية والظلامية وضرورة انقاذ الجزائر من السرطان الانقاذي والأصولي , وكان يعتبر أنّ الغاء الانتخابات التشريعية كان ضرورة وحتمية علما أنّه كان يرى في ذلك مصادرة للديموقراطية .
أمّا الشارع الجزائري الذي كان يرى في بوضياف شخصية ثورية نزيهة فقد بدأ يغير رأيه فيه خصوصا وأنّ السلطة أيّ سلطة كفيلة بتشويه العبّاد والزهاّد فمابالك بالناس العاديين , وبات الشارع الجزائري يردد أنّ بوضياف عاد لانقاذ مجموعة من العسكريين المتورطين في تفجير الفتنة الجزائرية وليس لانقاذ الجزائر , ويبدو أن هناك من أوصل هذه الانطباعات الى محمد بوضياف الذي بدأ يكتشف سلسلة من الحقائق المذهلة وهو داخل دوائر القرار كما بدأ يكتشف المعادلات الصعبة في تركيبة النظام الجزائري كما أسرّ بذلك الى نجله , وهذا ما جعله في وقت لاحق يتهجم على رجالات النظام الفاسدين والمرتشين ومن أسماهم محمد بوضياف بمختلسي أموال الشعب الجزائري , وعندها علقّ الشارع الجزائري مجددا بأنّ بوضياف لن يسلم !
ولمّا صعدّ من تهجمه على المافيا كما سماها المتحكمة في شرايين الدولة الجزائرية بدأ يستشعر بدائرة النار تدنو منه , وقد نقل مخاوفه هذه الى صديقه محمد يزيد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجزائر وأحد روّاد الثورة الجزائرية , وقد أعلن محمد يزيد عقب اغتيال محمد بوضياف أنّ المافيا الجزائرية هي التي قتلت بوضياف وأنّها تتمتع بنفوذ واسع داخل النظام الجزائري .
عندما عاد محمد بوضياف الى الجزائر التفّت حوله شخصيات جزائرية تنتمي الى ثالوث الفرانكفونية واليسار والبريرية , وعينّ بعض الجزائريين الذين يحملون الجنسية الفرنسية كمستشارين له , وعندما أقدم على تأسيس المجلس الاستشاري البديل للبرلمان الملغى كان كل أعضائه من التيار الفرانكفوني واليساري والبربري وأبرزهم رضا مالك الذي أصبح لاحقا وبعد اغتيال محمد بوضياف عضوا في المجلس الأعلى للدولة .
ويعتبر رضا مالك الذي كان رئيسا للمجلس الاستشاري من أبرز منظري حزب فرنسا في الجزائر ومن الدعاة الى بعث تجربة كمال أتاتورك في الجزائر .
وكان من أعضاء هذا المجلس الاستشاري مصطفى الأعرج الذي كتب سلسلة من المقالات قبل وبعد فوز الاسلاميين في الانتخابات التشريعية الملغاة أعتبر فيها الدين الاسلامي أفيون للشعب الجزائري , وأعتبر أنّ اللغة العربية لغة ميتة والأفضل للشعب الجزائري أن يطرحها جانبا لأنّ هذه اللغة هي في حكم اللغات المنقرضة .
وقد ردّ على مقالاته الأستاذ عثمان سعدي - رئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية في الجزائر وسفير الجزائر سابقا في العاصمة العراقية بغداد – على صفحات جريدة الشعب الناطقة باللغة العربية .
وقد لعبت البطانة الفرانكفونية واليسارية والبربرية دورا كبيرا في تأخير المصالحة كما الحل السياسي في الجزائر , وكلما كانت تلوح في الأفق بادرة للحلحلة السلمية كانت هذه البطانة تفجر الموقف وتصعّد الأزمة وبهذا الشكل بقيت الجزائر تراوح مكانها .
وكان المجلس الاستشاري يضطلع بمهام البرلمان حيث كان يسنّ القوانين , كما كان يوافق على القوانين التي يشرعّها المجلس الأعلى للدولة .
ولما دعا بوضياف الى تشكيل التجمع الوطني الديموقراطي لملء الشغور السياسي الرهيب عقب تجميد التعددية السياسية الحقيقية والجادة , بادر اليسار الجزائري وعلى رأسه الهاشمي شريف والحركة البربرية وعلى رأسها سعيد سعدي بالاستحواذ على توجهات التجمع , وكان بوضياف من خلال مدير ديوانه رشيد كريم يعمل على مد جسور مع حزب الطليعة الاشتراكية اليساري بزعامة الهاشمي الشريف و التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية بزعامة سعيد سعدي .
وكان البعض في دوائر النظام يروّج للفكرة الثالثة أو الاتجاه الثالث بين التيار الاسلامي الذي تمثله الجبهة الاسلامية للانقاذ والتيار الوطني الذي تمثله جبهة التحرير الوطني , وكان رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي أحد الدعاة الى هذا الطرح , وكان قوام الاتجاه الثالث الفرانكوفونيين والتغربيين الذين لفظتهم صناديق الاقتراع وحاولوا التكتل لاسترجاع زمام المبادرة , والمفارقة أنّ سيد حمد غزالي كان يعتبر هذا الاتجاه ديموقراطيا وهو أول من طالب بمصادرة هذه الديموقراطية عندما تعلقّ الأمر بفوز الاسلاميين ,وهذا الاتجاه هوالذي طالب أيضا بزجّ الجيش في المعركة السياسية والغاء المسار الانتخابي .
بعد اقالة مولود حمروش أثناء أحداث حزيران –يونيو –سنة 1991 عين سيد أحمد غزالي على رأس الحكومة , ومنذ تعيينه على رأس الحكومة عمل على تصفية حسابه مع حزب جبهة التحرير الوطني التي همشته الى أبعد الحدود , وعمل على تصفية الجبهة الاسلامية للانقاذ , وكان ذلك في الواقع استجابة لأراء بعض الصقور في المؤسسة العسكرية الذين كان لديهم حساسة من الوطنية العروبية ومن الاسلام السياسي .
وفي كل مؤتمراته الصحفية كان يتهجم على التيار الوطني والتيار الاسلامي , وبموازاة هذا التهجم بدأ يعدّ لتشكيل قوة ثالثة قوامها المجتمع المدني ذو الميول الفرانكفونيّة .
و أستغلّ سيد أحمد غزالي نقمة محمد بوضياف على حزب جبهة التحرير الوطني الذي همشّه وأقصاه من المشهد السياسي الجزائري بشكل كامل على مدى ثلاثة عقود , وتمكنّ
بوضياف – غزالي من تضييق الخناق على حزب جبهة التحرير الوطني وذلك من خلال سنّ قوانين تجرّد جبهة التحرير الوطني من المقرات والممتلكات التابعة لها , كما سحبت منها صلاحية الاشراف على جريدتي الشعب والمجاهد .
و قد أكتشف محمد بوضياف أنّه أصبح بيدقا في يد هذه التيارات والتكتلات ,وأعلن ذات يوم أنّ الجزائر تسير بناءا على أوامر تصل الى الجزائر عن طريق الفاكس من قصر الاليزي في باريس !
وبدأ بوضياف يكتشف بعض المتناقضات حيث أخبر نجله ناصر بوضياف بأنّ الوضع معقّد للغاية في الجزائر , وكان ناصر بوضياف يقوم بزيارة أبيه في الجزائر قادما من المغرب حيث بقي هناك يواصل الاشراف على مصنع الأجر الذي كان أبوه يديره قبل عودته الى الجزائر . وغير المتاعب السياسية والأمنية التي صادفها محمد بوضياف , فقد وجد وضعا اقتصاديّا مزريّا ومديونية بلغت 26 مليار دولار عدا الديون العسكرية , كما فوجئ بوضياف بكساد الزراعة و المؤسسات الانتاجية العاطلة والبطالة المتفاقمة واختلاسات ب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fcn-tissemsilt.mam9.com
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 9
تاريخ التسجيل : 24/12/2011
العمر : 12

سي الطيب الوطني (محمد بوضياف) Empty
مُساهمةموضوع: تابع- محمد بوضياف-   سي الطيب الوطني (محمد بوضياف) I_icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 27, 2011 9:30 pm

...شريط اغتيال محمد بوضياف
بعد دعوته المتكررة لتأسيس التجمع الوطني , استجاب له بعض المواطنين في مدينة عين تموشنت ومدينة عنابة شرقي الجزائر , وقررّ بوضياف التوجه الى هذه المناطق وتوضيح أفكاره في هذا المجال , وعلى الرغم من أنّ الجزائر كانت تشهد انزلاقات أمنية خطيرة فانّ أحدا لم ينصح محمد بوضياف بالغاء رحلته الى منطقة الشرق الجزائري , والأكثر من ذلك فانّ المسؤولين الكبار في الجزائر لم يرافقوا بوضياف في رحلة الموت , فقد كان غائبا عن الموكب الرئاسي رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي ووزير الداخلية الجنرال العربي بلخير و لا أحد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة صحب بوضياف وكأنّ الكل كان على علم بما دبّر لبوضياف الاّ هو !
رفيق بوضياف في رحلة الموت هذه كان وزير الصناعات الخفيفة السيد كريمان وبعض المسؤولين الصغار بالاضافة الى أحد أقرباء محمد بوضياف .
وقبل رحلته الى مدينة عنابة أسرّ بوضياف لصديقه محمد يزيد أنّ الوضع معقّد وأنّ بعض الأطراف في النظام لن تسكت عن عزمه على تطهير النظام الجزائري من المرتشين و المختلسين .
وصل محمد بوضياف الى مطار مدينة عنابة يوم 29 حزيران –جوان – 1992 في الساعة الثامنة والنصف صباحا وكان في استقباله والي مدينة عنابة والمسؤولون العسكريون عن هذه الناحية . وفي الساعة العاشرة والنصف افتتح محمد بوضياف معرضا للشباب وتنقلّ بين أجنحته .
وفي حدود الساعة 11 وصل محمد بوضياف الى المركز الثقافي في مدينة عنابة , حيث شرع في القاء محاضرة ركزّ فيها على الشباب ودورهم في بناء المجتمع , كما تحدث عن الفساد وضرورة القضاء على الفساد الذي ينخر جسم النظام الجزائري , وحثّ الشباب على ضرورة الاعتماد على النفس للخروج من الأزمة الحالكة , وأسترسل في الحديث عن الجزائر والعواصف التي تعصف بها , وحملّ النظام القديم تبعات ما ألت اليه الأوضاع في الجزائر , وعندما وصل الى عبارة أنّ الاسلام يحث على العلم انفجرت قنبلة يدوية من الجهة الشمالية للمنصة التي كان عليها محمد بوضياف , وهاهنا شاهد الحضور ستارة المسرح خلف محمد بوضياف تتحرك وسرعان ماخرج من وراء الستارة رجل يرتدي زيّ القوات الخاصة ومعه رشاش , حيث اقترب من محمد بوضياف وأفرغ محتواه في جسده وقع بعدها بوضياف أرضا و مباشرة .
دبّ الخوف والهلع وسط الحضور الذي انبطح كثير منهم على الأرض , وقد قيل أنّ هدف تفجير القنبلة اليدوية هو جعل الناس تتراجع عن المنصة وتنبطح أرضا وأثناءها سمعت طلقات نارية داخل القاعة وخارجها , فيما كان بوضياف جاثما على الأرض وقد غطّاه البعض بالعلم الجزائري , وبعد عشرين دقيقة من الحادث وصلت سيارة اسعاف الى المركز الثقافي وأقلّت محمد بوضياف الى مستشفى ابن رشد في مدينة عنابة .
و عبثا حاول الأطبّاء انعاشه الأمر الذي استدعى نقل محمد بوضياف الى مستشفى عين النعجة العسكري في الجزائر العاصمة , ولم يتأخر المستشفى كثيرا في الاعلان عن وفاة المناضل محمد بوضياف .
وفي حدود الساعة الثانية عشر ظهرا بدأ التلفزيون الجزائري الرسمي يبث الأيات القرأنية وقد فهم المواطنون أنّ كارثة حلّت بالجزائر خصوصا وأنّ التلفزيون الجزائري كان قد تعودّ على بث الأغاني في مثل هذا الوقت !
وفي الساعة الواحدة ظهرا أعلن التلفزيون الجزائري عن وفاة محمد بوضياف وكان قارئ الخبر الصحفي الجزائري المعتز بالله جيلالي .
ومساءا بثّ التلفزيون الجزائري شريطا مسجلا عن مسلسل الاغتيال , لكنّ مقص الأجهزة كان قد حذف مشهد خروج الملازم العسكري مبارك بومعراف قاتل بوضياف والمنتمي الى القوات الخاصة من وراء الستار والطريقة التي أجهز بها على بوضياف .
وقد تسربّت بعض الأخبار من مبنى التلفزيون تفيد أنّ رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي ووزير الاعلام والثقافة كانا هناك وأمر بحذف هذه المشاهد .
وكانت الصدمة عنيفة للغاية على الشعب الجزائري الذي توالت عليه الصدمات الأمنية بشكل متسارع , وخرجت بعض الجماهير للمشاركة في جنازة محمد بوضياف والتي كانت يتيمة للأسف الشديد , لا لأنّ محمد بوضياف الرمز لا يستحق ردّ الجميل من قبل شعبه الذي مازال يتذكر جهاد بوضياف ودوره في تفجير الثورة الجزائرية , بل لأنّ بوضياف تورطّ مع من ألغوا اختيار الشعب الجزائري وحولوا الصحراء الجزائرية - التي كانت تستخدمها السلطات الفرنسية أثناء استعمارها للجزائر حقلا لتجاربها المتعلقة بالتفجيرات النووية – الى معتقلات ضمّت عشرات الألاف من المعتقلين . وحتى الذين خرجوا لتشييع جثمان محمد بوضياف رددوا شعارات سياسية , وأغتنموا الفرصة في ظل حالة الطوارئ المفروضة منذ 1992 والتي بموجبها يحظر التجمهر والتظاهر وما الى ذلك من الأفعال الديموقراطية .
ومن الشعارات التي رفعها المشيعّون هي من قبيل :
-لا اله الاّ الله عليها نحيا وعليها نموت وبها نلقى الله .
-يا عليّ , يا عبّاس الجبهة راهي لا بأس - أي أنّ جبهة الانقاذ ما زالت بخير رغم وجود كل قيادييها في السجن -
-الشاذليّ قاتل .
-جلبوه لكي يقتلوه .- أي أحضروا بوضياف الى الجزائر لكي يقتلوه - .
-دولة دولة اسلامية .
ولا شك أنّ المتتبع للحدث الجزائري يعرف أنّ معظم هذه الشعارات كان يرددها أنصار الجبهة الاسلامية للانقاذ
وقد حضر جنازة محمد بوضياف رئيس الوزراء سيد أحمد غزالي , ووزير الدفاع خالد نزار , و اعضاء المجلس الأعلى للدولة علي كافي الذي خلف محمد بوضياف في منصبه , وعلي هارون , وتيجاني هدّام , كما حضر تشييع الجنازة شخصيات عربية وأجنبية كياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية , و رولان دوما وزير خارجية فرنسا .
وقد أعلن أقرب المقربين الى بوضياف نجله ناصر بوضياف أن المافيا الجزائرية هي التي اغتالت محمد بوضياف , في حين طالبت زوجته بضرورة الكشف عن منفذّي العملية الحقيقيين .
ولتفادي الشغور الرئاسي مرة أخرى تمّ الاعلان عن اسم رئيس المجلس الأعلى للدولة وهو العقيد علي كافي وتمّ ضمّ رضا مالك كعضو في المجلس الأعلى ليكتمل النصاب ….
تناقضات واختلافات :
بعد الاعلان عن اغتيال محمد بوضياف في نشرة الأخبار في التلفزيون الجزائري في الساعة الواحدة ظهرا , ورد في سياق النشرة اسم القاتل وهو الملازم العسكري مبارك بومعراف ,
وفي نشرة الثامنة مساءا لم يتم التطرق اطلاقا الى هوية القاتل , لكن ذكرت الأنباء أنّ القاتل تمّ القاء القبض عليه
ومن جهة أخرى ذكرت مصادر رسمية عندها أنّ منفّذ العملية مبارك بومعراف ينتمي الى دائرة مكافحة التجسس وقد أغتال بوضياف وتمكنّ من مغادرة قصر الثقافة , و في أحد شوارع مدينة عنابة رأته عجوز من شرفتها وبلغّت عنه الشرطة ,عندها تمّ القاء القبض عليه.
فكيف غادر الملازم مبارك بومعراف قصر الثقافة وهو محاط بعشرات العناصر الأمنية !
وكيف تعرفّت عليه هذه العجوز و هل سبق لها وأن رأته سابقا !
ولماذا لم يفر من مكانه عندما رأته العجوز وبقيّ في مكانه الى أن جاءت الشرطة !
ولماذا تأخرّت سيارة الاسعاف في الوصول الى مكان الحادث الاّ بعد عشرين دقيقة من وقوع الحادث !
كل هذه المتناقضات والقرائن جعلت الحديث عن وجود مؤامرة محكمة الاخراج واردا وخصوصا في سياق ما كانت تعيشه الجزائر من تداعيات على الصعيد الأمني والسياسي .
وبعد اتهام الملازم مبارك بومعراف رسميا باغتيال محمد بوضياف تمّت احالته الى المحكمة المدنية في مدينة عنابة والتي أعلن نائبها العام أنّ القضية سياسية والقاتل عسكري فيجب احالة القضية الى محكمة عسكرية , و القضاء العسكري من جهته رفض النظر في القضية , وقد رفض حتى النظر الى الملف ودخل القضاء المدني في خلاف مع القضاء العسكري , الأمر الذي أعطى انطباعا بأنّ هناك من يريد تضييع خيوط المؤامرة . ونجح القضاء العسكري في تجنيب نفسه النظر في قضية اغتيال محمد بوضياف , والتي أصبحت من صلاحيات القضاء المدني و كأنّ الجناية عادية في بعدها و هدفها .
وكانت المؤسسة العسكرية لا تريد أن تتورط مع شخصيات كبيرة قد يكونون من نفس المؤسسة العسكرية .
وقد أعلن النائب العام لمدينة عنابة السيد محمد تيغرامت أمام الصحافيين أنّ القرار الصادر عن هيئته القضائية لجهة عدم الاختصاص واضح ولا يشوبه أيّ غموض , وهذا الأمر كما قال النائب العام مستوحى من نصوص وروح قوانين الجمهورية , وأستدلّ على ذلك بقوله أنّ الجاني عسكري و قام بارتكاب جريمته أثناء وجوده في الخدمة , وهو ما تعاقب عليه المادة 25 من قانون الاجراءات القضائية العسكرية , و أستطرد النائب العام في مدينة عنابة قائلا أنّه انطلاقا من هذا كنّا نتوقع من السلطات القضائية العسكرية التكفل قانونيا بهذه القضية الاّ أنّ الرفض القاطع واللامشروط لهذه السلطات أدّى الى احداث شلل في الاجراءات , وأنّ هذا الشلل سيوقف مسار البحث عن الحقيقة التي ينتظرها المجتمع !
وهو اعتراف ضمني من نائب مدينة عنابة بأنّ المؤسسة العسكرية تعمد الى اخفاء الحقيقة وتبديدها . ولم يقدم النائب العام معلومات عن القاتل الملازم العسكري مبارك بومعراف,
والمعلومات السطحية التي قدمت للشعب الجزائري من أجل اسكاته أنّ الملازم العسكري مبارك بومعراف ينتمي الى مكافحة التجسس وهو من مواليد 1966 وتلقى تدريبه في بلجيكا وبعض الدول العربية وهو ذو ميول دينية , وكان علي جدّي أحد قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ أستاذه في المرحلة الثانوية . ونفس المعلومات قدمها رزّاق بارة عضو لجنة التحقيق في اغتيال محمد بوضياف والذي قال أنّ بومعراف كان يقرأ الكتب الدينية وليست له ميول حزبية . وقد رأى المراقبون في ذلك الوقت أنّ هذه التصريحات تهدف الى زجّ الجبهة الاسلامية للانقاذ في قضية اغتيال محمد بوضياف . وللتذكير فانّ قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ الدكتور عباسي مدني وعلي بلحاج وغيرهما مدنيون ورؤساء حزب سياسي مدني ومع ذلك فقد جرت محاكمتهم في محكمة عسكرية , أما قاتل الرئيس الجزائري محمد بوضياف وهو عسكري فقد جرت محاكمته في محكمة مدنية !
وفي الوقت الذي نشب فيه خلاف بين القضاء العسكري والقضاء المدني , نشب خلاف مماثل بين أركان النظام الجزائري وأستعرت حرب الأجهزة من جديد في الجزائر . فجريدة الخبر الناطقة باللغة العربية نشرت في الصفحة الأولى أنّ وزير الداخلية الجنرال العربي بلخير قد أقيل من منصبه وتمّ تعيين أحد الجنرالات المتقاعدين مكانه , وقد سارع العربي بلخير الى تكذيب الخبر وأستدعى مسؤولي جريدة الخبر وهددهم بنسف جريدتهم , و أسمعهم كلاما بذيئا , و حقيقة ما جرى أنّ جهات في الجزائر سربت الخبر على اعتبار أنّ الجنرال العربي بلخير أحد أركان نظام الشاذلي بن جديد , وأحد المحسوبين على اللوبي الفرانكفوني في الجزائر وكان متهما بالضلوع في لعبة تصفية بوضياف .
ولما لم يقدر أحد على ازاحته تمّت التضحية بحكومة سيد أحمد غزالي , وعندما أقيلت حكومة سيد أحمد غزالي صرحّ هذا الأخير أنّ الأشرار كثيرون في الدائرة النظامية وهؤلاء يعرقلون كل الايجابيات , وعيّن سيد أحمد غزالي سفيرا للجزائر في باريس و كان يراد منه المساهمة في ترطيب العلاقات الفرنسية –الجزائرية لكون غزالي صديقا حميما لفرنسا فهو منذ تخرجّ كمهندس من المعاهد الفرنسية قبيل الاستقلال الجزائري بقليل والعلاقة بينه وبين باريس ايجابية , ثمّ انّ الجزائر كانت في حاجة الى ترطيب الأجواء خصوصا وأنّ الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران أحتجّ على تنحية صديقه الحميم الشاذلي بن جديد - متيران هو الذي أختار عبارة الصديق الحميم ولا دخل للمؤلف في انتقائها - .
وقبل تنحية سيد أحمد غزالي التقى وزير الدفاع الجنرال خالد نزار ببعض الشخصيات السياسية الجزائرية كعبد الحميد مهري الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني , وحسين أية أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية , ومحفوظ نحناح زعيم حركة حماس , وأحمد طالب الابراهيمي عضو اللجنة المركزية في حزب جبهة التحرير الوطني ووزير الخارجية الأسبق , وكان ذلك مؤشرا على أنّ دوائر القرار تريد الاستنجاد بالطبقة السياسية .
لجنة التحقيق :
لالهاء الشعب الجزائري و تعمّد عدم الكشف عن الحقيقة قام المجلس الأعلى للدولة بتعيين لجنة تحققّ في اغتيال محمد بوضياف يرأسها أحد أصدقاء محمد بوضياف أحمد بوشعيب , والعجيب أنّ هذه اللجنة طلبت من المواطنين الجزائريين أن يمدوها بما لديهم من معطيات , ومساعدة هذه اللجنة , ولم تمر هذه النكتة على الشارع الجزائري الذي علقّ بقوله كيف يطلب ممن يطالب بكشف الحقيقة أن يمدّ هذه اللجنة بمعلومات !
وقدمت هذه اللجنة أرقاما هاتفية ليتصل بها من يوّد أن يقدمّ معلومات بشأن الحادث . أحد المواطنين كما ذكر حينها اتصل بهذه اللجنة وأبلغها أنّ مبارك بومعراف زميله وقد مات في سنة 1982 في تدريبات خاصة !!
هذا الأمر وغيره جعل المواطنين الجزائريين يشكّون في حقيقة الجاني والمعلومات المقدمة اليهم بشأنه . وقد أعطى المجلس الأعلى للدولة مهلة عشرين يوما لهذه اللجنة حتى تكشف عن الحقائق كاملة .
وتوجهت هذه اللجنة الى مدينة عنابة , وأحاطت تنقلاتها وتحركاتها بسرية فائقة , وقد أحتجّ الصحافيون في مدينة عنابة على هذا التكتّم المبالغ فيه وطالبوا بتفسيرات بشأن بعض المعلومات المتناقضة , فلجنة التحقيق تقول أنّ الملازم العسكري مبارك بومعراف نفذّ العملية بمفرده , في حين أنّ النائب العام لمدينة عنابة قال أنّ العملية نفذّت بطريقة ذكية ودقيقة بحيث يستحيل أن تكون من فعل شخص واحد , وقد غادر هذا الشخص الجاني مكان الحادث سليما معافى . وقد ذكر بعض الصحفيين أنّ مبارك بومعراف عقب خروجه من قصر الثقافة لجأ الى شقّة , وقال لبعض المواطنين أنّه من رجال الأمن المكلفين بحماية محمد بوضياف , وأنّ أناسا يريدون قتله وطلب منهم استدعاء الشرطة .
مراسل جريدة لاناسيون في مدينة عنابة أفاد بأنّ سيارة من نوع جيتا كانت مرابضة قرب قصر الثقافة مكان حدوث الاغتيال رفقة سيارة أخرى تمّ توقيفها في مدينة عزابة بعد مطاردتها بطائرة مروحية ودراجات نارية تابعة للدرك الوطني الجزائري .
وكانت محكمة عنابة تناقض نفسها فحينا تقول أنّ مبارك بومعراف أعتقل وحده , ثمّ أعلنت أنّه تمّ اعتقال اثني عشرة شخصا متورطين مع مبارك بومعراف , وربما لأجل ذلك قالت جريدة لوناسيون أنّ بومعراف تلقى أمرا باغتيال محمد بوضياف . لكن من أمره بذلك !
و ذكر في مدينة عنابة أنّ مبارك بومعراف طلب من قاضي المحكمة حضور أحد المسؤولين الكبار كشرط للادلاء باعترافاته . أما نجل الرئيس محمد بوضياف ناصر بوضياف فقد أعلن أنّ الجريمة لها أطراف في الداخل والخارج .
وبعد عشرين يوما على التحقيق في اغتيال محمد بوضياف صرحّ أحد أعضاء لجنة التحقيق رزّاق بارة بأنّ القاتل يدعى مبارك بومعراف ,وقد نفذّ الجريمة بملء ارادته , وأنّ تقصيرا لوحظ في فريق الحماية , وهكذا فسرّت لجنة التحقيق الماء بالماء بعد جهد وعناء .
وبناءا عليه وضع ضابطان كانا ضمن فريق حماية محمد بوضياف هما هجرس والسائح, رهن الحبس الاحتياطي , و غاية ما قامت به لجنة التحقيق أنها أكدت أنّ القاتل هو الملازم العسكري مبارك بومعراف . وحتى لما أستأنفت هذه اللجنة أعمالها الى أواخر تشرين الثاني – نوفمبر – 1992 رددت نفس النتيجة التي سبق لها وأن أذاعتها على الملأ...
تشريح مؤامرة :
يتضح جليّا ومن خلال قراءة كاملة ومستوعبة وموضوعية لملف اغتيال محمد بوضياف أنّ هناك خمسة احتمالات في قضية اغتيال رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد بوضياف وهي :
1- أن يكون اغتيال محمد بوضياف داخلا فيما يسمى بمقتضيات أمن الدولة , وأنّ صناع القرار في أعلى المستويات الأمنية أكتشفوا فجأة أنّ محمد بوضياف خطر على الأمن القومي الجزائري ومن تمّ قاموا بتصفيته .
2- أن يكون محمد بوضياف ضحيّة صراع الأجنحة في المؤسسة العسكرية ودوائر القرار , وأنّ بوضياف قد يكون أضرّ بطرف أو مركز قوة معيّن , أو كاد جناح من الأجنحة أن يفقد مصالحه فأجهز على محمد بوضياف قبل أن يفقد امتيازاته .
3- أن يكون اغتيال محمد بوضياف من تدبير الجبهة الاسلامية للانقاذ أو الجماعات الاسلامية الأخرى .
4- أن يكون الملازم العسكري مبارك بومعراف قد تصرفّ بملء ارادته ونفذّ عملية الاغتيال .
5- أن تكون جهات أجنبية أمريكية أو فرنسية على وجه التحديد وراء اغتيال محمد بوضياف .
تحليل الاحتمال الأول :
عندما قام الرئيس محمد بوضياف بزيارة خاصة لمتابعة أعماله في المغرب التقى الملك المغربي الراحل الحسن الثاني ووعده بحل وشيك لقضية الصحراء الغربية يرضي المغرب . كما أن معلومات ترددت في الجزائر تفيد أنّ بوضياف كان يريد تكليف سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري بتشكيل الحكومة خلفا لسيد أحمد غزالي , وخطوة من هذا القبيل من شأنها أن تضرّ كثيرا بالوحدة الترابية والجغرافية للجزائر .
وكان سعيد سعدي هددّ بحمل السلاح واشعال النار في منطقة القبائل اذا وصل الاسلاميون الى السلطة . وكان من الدعاة الأوائل الى ضرورة تدخّل الجيش لالغاء الانتخابات التشريعية .
وما جئنا على ذكره لم يرق الى مستوى تهديد الأمن القومي الجزائري حتى يقال أنّ بوضياف يجب أن يقتل , والمؤسسة العسكرية مثلما أقالت الشاذلي بن جديد كان في مقدورها أن تقيل محمد بوضياف .
تحليل الاحتمال الثاني :
أدّى الخلل في بنية النظام الجزائري ومنذ تأسيسه الى تشكّل مراكز قوة وأجنحة , وكانت المصالح والامتيازات هي التي توحّد بين مراكز القوة التي كبرت وكبرت معها مصالحها أيضا . وعمل كل مركز قوة على حماية نفسه بقوة أمنية و عسكرية الى درجة أنّ محمد بوضياف صرح في يوم من الأيام قائلا أنّ الجزائر لا تقبل لا بانقلاب عسكري ولا بانقلاب بوليسي في اشارة الى المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية , وقد تكاثرت الأجنحة الأمنية مع تكاثر الحكومات ومراكز النفوذ , وهناك أجهزة فعلية وأجهزة قديمة تريد استرجاع ماكان لديها من امتيازات , وعندما تبنىّ محمد بوضياف مشروع تطهير النظام الجزائري من المافيا كان يعي خطورة القيام بمثل هذه الخطوة . وقد يكون بوضياف ضحية أحد مراكز القوة الذي بات مقتنعا بأنّ بوضياف بات يشكل خطرا عليه .
تحليل الاحتمال الثالث :
الملازم العسكري مبارك بومعراف الضالع في اغتيال الرئيس محمد بوضياف اعترف كما تقول لجنة التحقيق بأنّه اضطّلع بعملية الاغتيال وحده , وأنّه كان يحلم أن يطهرّ الجزائر من الطغاة كما قالت لجنة التحقيق في بيان لها . وهو قد قام بهذه الخطوة لتخليص الجزائر من الخوف الذي يسيطر على شعبها منذ فرض حالة الطوارئ .
تحليل الاحتمال الرابع :
في تحقيق خاص لجهاز الأمن العسكري الجزائري تبينّ أنّ عشرين بالمائة من الجنود في الجيش متعاطفون مع الجبهة الاسلامية للانقاذ , وقد أتهمّ الملازم مبارك بومعراف قاتل محمد بوضياف بأنّه متأثر بالأفكار الدينية . وكان جهاز أمني قد حذرّ بوضياف من عناصر مسلحة قد تقدم على اغتيال رموز في السلطة الجزائرية وأنّ عدد هذه العناصر هو بين 1500 و3000 عنصرا .
تحليل الاحتمال الخامس :
قال الجنرال شارل ديغول مباشرة بعد استقلال الجزائر في 05 تموز –يوليو- 1962 أنّ فرنسا ستعمل ما في وسعها حتى تنتهي الجزائر بالضربة القاضية بعد ثلاثين سنة .
لقد كانت باريس على الدوام تتربص بالجزائر الدوائر وكان لديها عقدة من الوطنيين الجزائريين , وحاولت عبر وسائلها الكثيرة والمتنوعة في الجزائر نسف التيار الوطني وبعده التيار الاسلامي الذي لا ينسجم وطموحاتها الفرانكفونيّة في المغرب العربي , وربما تكون قد أوحت الى بعض الأجنحة التابعة لها القيام باغتيال بوضياف , وقد علقّت الصحف الفرنسية عشية اغتياله قائلة أنّ الجزائر تقتل رموزها , مما يعني في نظر باريس أنّ الشعب الجزائري قد تنكرّ لثورته ورموزه بعض ثلاثين سنة من الاستقلال !
من قتل محمد بوضياف ! :
كل هذه الاحتمالات واردة , وفي ظل نظام يمارس فرض الحصار على المعلومات حتى في أبسط الأشياء يصبح كل شيئ ممكنا , لكن القرائن السابقة و اللاحقة والتي تجلّت بعد سنوات من اغتيال بوضياف ترجّح الاحتمال الثاني وهو أنّ بوضياف كان ضحية الصراع بين الأجنحة ومراكز القوة , والجناح الذي نفذّ العملية مرتبط عضويا بالمشروع التغريبي الفرنسي مما ينشئ علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين الاحتمال الثاني والاحتمال الخامس .
والفريق الأمني الذي رافق محمد بوضياف كان يتلقى أوامره من خليّة تسيير حالة الطوارئ في وزارة الداخية التي كان على رأسها الجنرال العربي بلخير والذي تربطه علاقات قوية بكبار الجنرالات في المؤسسة..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://fcn-tissemsilt.mam9.com
 
سي الطيب الوطني (محمد بوضياف)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محمد إبراهيم بوخروبة (هواري بومدين)
» نصر الوئام الوطني..
» مشروع الوئام الوطني
» النصر الوطني..يحير كبار الاحزاب
» مشروع القانون الأساسي لحزب جبهة الوئام الوطني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حزب جبهة الوئام الوطني :: شخصيات تاريخية :: رؤساء الجزائر-
انتقل الى: